الإثنين, مايو 20, 2024
spot_img
الرئيسيةجندرالغضب الساطع …

الغضب الساطع …

 

كنت أفكر فى تعالى نغمة اليأس والإحباط مؤخراً من حال الثورة وحال مصر، وأن من يتحدث عن الأمل الآن سيصبح مثار سخرية مريرة. ثم سمعت عقلى يهمس: «خلف غياب الأمل غضب، وخلف الغضب ألم وجروح». وتأتى المقولة فى سياق تحليل نفسى لحكاية شعبية يابانية سجلتها كلاريسا بنكولا إستس مؤلفة «نساء يركضن مع الذئاب: أساطير وحكايات المرأة البرية». وموضوع الحكاية هو الغضب.

 يُحكى أن زوجة شابة عاشت وحدها فى بيتها فى غابة الصنوبر سنوات طوالاً لغياب زوجها فى الحرب. ولما عاد الرجل فرحت الزوجة جدّاً وطهت من الطعام أشكالاً وألواناً. لكن الزوج كان عصبياً وغاضباً طوال الوقت، يرفض أن يقيم فى البيت ويقابل تدليلها بفظاظة. ذهبت الشابة للعجوز الحكيمة لتحكى مصيبتها وتطلب علاجاً للزوج العليل. وعدتها العجوز بالمساعدة لو استطاعت أن تأتى لها بشعرة واحدة من الدب الأسود الذى ترتسم على صدره علامة الهلال الأبيض. لم تفكر الشابة مرتين. أعدت للرحلة واتجهت نحو الجبل. عند السفح رددت شكرها للجبل إذ يسمح لها بتسلقه، وبدأت تصعد وهى تغنى للأشجار التى أزاحت فروعها جانباً كى تفسح لها الطريق. وظلت هكذا تشكر كل شىء تمر به وهى تتقدم على الرغم من الصعاب ووعورة الطريق. مرت أيام وليالٍ حتى وصلت الزوجة إلى القمة حيث كهف الدب الأسود.

 وبدأت تضع له طعاماً وتختفى. يأتى الدب، يأكل ويزوم بصوت كالرعد، ثم يعود لكهفه. وبعدها بدأت تقف على مبعدة منه، وفى اليوم التالى اقتربت، واقتربت أكثر، حتى واتتها الشجاعة فقالت له: أريد منك شعرة واحدة كى أنقذ بها زوجى. زأر الدب فبكت الشابة وتوسلت بينما الخوف يثقل جسدها، لكنها لم تتحرك. ولسبب مجهول شعر الدب بشفقة تجاهها وسمح لها بأن تنتزع شعرة منه. أخذتها وعادت تجرى نحو القرية. تأملت العجوز الحكيمة الشعرة وأقرت بأنها بالفعل شعرة دب أسود، ثم ألقت بها فى النار. صرخت الشابة: كيف تفعلين هذا بعد كل ما عانيت من أجل إحضار طلبك؟ ردت العجوز بهدوء: «أتذكرين صبرك على الرحلة ومشقتها، كيف قاومت الخوف وتحديتِ المجهول، كيف فكرت وخططت ونفذت ولم يستطع شىء إيقافك. عودى إلى زوجك وافعلى الشىء نفسه».

ينظر علم النفس التحليلى إلى كل شخصيات الحكاية على أنها أجزاء من وعى شخص واحد. ومن ثم فالزوج فى الحكاية هو الغضب الذى يرعى داخل المرأة، ولأنها تدرك أزمتها فهى تطلب الحل من الجزء الحكيم داخلها (العجوز المداوية). وتذهب الشابة إلى الأرض الجبلية غير المطروقة (داخل وعيها) فتطحنها التجربة وتعيد تشكيلها وتدفعها لاكتشاف ما لم تكن تعرف عن نفسها. تخبرنا الحكاية أن المشاعر السلبية- كالغضب- من الممكن أن تصبح معلماً ومرشداً. هذا إن حولناها إلى طاقة خلاقة، وأن الترياق الشافى ليس هو شعرة الدب ولكنه الصبر والمثابرة ومواجهة الخوف بالعمل الدؤوب.

د. سحر الموجى

١/ ١٢/ ٢٠١٣

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات