السبت, أبريل 27, 2024
spot_img
الرئيسيةآراءمأساة منظمات المجتمع المدني

مأساة منظمات المجتمع المدني

كتبت كثيرا عن مأساة منظمات المجتمع المدني، في السودان وفي مجتمعات ما بعد الاستعمار، نقول إن الإنصاف لا يغيب، فمع حصول المأساة بشكل كامل وملموس وخطير، لا يمكن إنكار وجود حالات استثنائية، من الأفراد والأجسام، في الفضاء المدني، الجديرين بالاحترام استحقاقا، وفق رصيدهم في العمل الدؤوب من أجل مساحات أشرف وأكرم للسودانيين، وفي الانضباط الأخلاقي الذي جعلهم ينجون من التلوّث في بيئة مليئة بأسباب التلوث. ومن الإنصاف كذلك ذكر أن ظروف الاقتصاد السياسي المحلي، في العقود الماضية، ضيّقت الخيارات كثيرا على جملة المتعلّمين والراغبين بالبقاء في السودان؛ فقد كانت فرص العمل في مؤسسات القطاع العام محدودة جدا وضعيفة المحفزات (المهنية والاقتصادية) في زمن الكيزان بالنسبة لغير الكيزان (خصوصا من دخلوا مرحلة العمل أثناء حكم الكيزان)، كما كانت فرص القطاع الخاص والعمل الخاص، المنتج، والمبادرات التعاونية، محدودة بشروط صعبة، اقتصادية وسياسية، الأمر الذي جعل الكثير من المؤهلين تأهيلا فنيا/أكاديميا عاليا إما يلتمسوا فرص العمل والدخل المعقول في المساحات التي ملأتها منظمات المجتمع المدني (خاصة في المناطق الحضرية)، أو ينفروا من البلاد ناحية الأصقاع المتنوعة–الأمر الذي خلق حالة خاصة وحادة من “هجرة العقول” (وهي مشكلة تعاني منها جملة البلدان الافريقية، على مستويات متفاوتة)، أو يلتمسوا فرص مواصلة الدراسة، داخليا وخارجيا، وفرص الأعمال المتقطعة، غير المستقرة وغير المضمونة، وكل خيار بمشاكله. لا تغيب هذه الحسابات من فهم الوضع العام، ثم لا تعتبر هذه الحسابات مبررا للسكوت على مأساة منظمات المجتمع المدني، أو مبررا لتجاهل ظهور “بزنس” كبير، برؤوس ورموز كبيرة وشبكات مصالح داخلية وخارجية، بعيدة عن واقع الاقتصاد المحلي ومنتفعة من تلك المأساة بصورة تجعلها ضعيفة الرغبة في الاعتراف بها أو محاولة تغيير ديناميكاتها. لا يمكن تجاوز هذا الأمر لأن ضرره أكبر بكثير من ترياقاته لبعض الناس، ومن مغانمه لقلة قليلة لا رجاء منها. ومؤخرا فقد صار هذا الضرر مستعلنا وشديد الخطر على حاضرنا ومستقبلنا أجمعين.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات