هل تحاول بكين التقليل من خطورة الوضع في مقاطعاتها الشمالية ومدى القلق الذي ينبغي أن يعتري بقية دول العالم مع ارتفاع إصابات الفيروس التنفسي واكتظاظ وحدات العناية المركزة؟

طفل برفقة والديه في أحد مستشفيات مدينة هانغتشو في الصين (شاتر ستوك)
ملخص
مع انتشار فيروس “إتش أم بي في” في الصين ودول أخرى، وارتفاع أعداد المصابين، تتزايد المخاوف من تكرار تجربة جائحة كورونا ومدى استعداد العالم لمواجهة أوبئة مستقبلية، مما يبرز الحاجة إلى الشفافية، واليقظة، واتخاذ تدابير صحية فعّالة في الوقت المناسب.
لم تمر سوى أيام قليلة على احتفالات العام الجديد عندما أخذت تظهر أخبار عن زيادة كبيرة في أعداد المصابين بنوع جديد من الفيروسات، فقد بدأ مرض تنفسي يسبب أعراضاً تشبه أعراض الإنفلونزا أو نزلات البرد في التفشي عبر مقاطعات شمال الصين، وقد شهد تصاعداً ملحوظاً طوال فصل الشتاء وخصوصاً بين الأطفال دون سن الرابعة.
وتحدثت تقارير إخبارية عن اكتظاظ في أعداد إصابات تواجهه المستشفيات ووحدات العناية الطبية المركزة، إضافة إلى اتخاذ إجراءات وتدابير جديدة لمراقبة الوضع وتتبع انتشار الفيروس، وقد ازدادت المخاوف عندما بدأت تظهر علامات تفشي المرض.
ورصدت الهند أعداداً أكبر من الحالات، فيما بدأت ماليزيا وكازاخستان في الإبلاغ عن مرضى أصيبوا بالفيروس، وبحلول الثلاثاء الماضي، السادس من يناير (كانون الثاني) الجاري، أفادت بعض التقارير أن الحالات في الولايات المتحدة تضاعفت إلى 300 إصابة، وفي المملكة المتحدة يبدو أن سلالة شديدة الخطورة من الإنفلونزا وأمراض أخرى تطال الجهاز التنفسي منتشرة في كل مكان، وكثيرون سواء في أماكن العمل أو المنازل تعرضوا لهذا المرض الذي يسبب مشكلات صحية كبيرة.
وفي الظاهر فقد جلب الفيروس معه أصداء القلق الذي هزّ العالم قبل خمسة أعوام عندما بدأت في يناير 2020 تنتشر أخبار غير مؤكدة وغير مدعومة بتأكيدات رسمية عن تفشي فيروس مميت في الصين آنذاك، ومع بدء ظهور صور المستشفيات المكتظة والمرافق الطبية الطارئة التي أقيمت لاستيعاب المرضى والحالات الحرجة، ومرّ شهر كامل قبل أن تعلن “منظمة الصحة العالمية” (WHO) الاسم الرسمي للسلالة “كوفيد- 19”.
وفي ذلك الوقت لم تكن الإنفلونزا تثير قلقنا، وكلنا نعلم المأساة التي قاساها العالم لاحقاً، وبعد مرور بضعة أسابيع صرنا جميعاً نعرف هذا الاسم مع ظهور الإصابات في مختلف أنحاء أوروبا، وبعد وقت قصير فرضت معظم دول العالم إغلاقات عامة [إذ استحدثت قيوداً صارمة على الحركة والأنشطة ومنعت السفر وأغلقت حدودها والأماكن العامة].
وبعد مرور خمسة أعوام أصبحنا أكثر إدراكاً للعواقب التي ربما نواجهها في حال تجاهلنا الإشارات ولم نأخذ التحذيرات على محمل الجد، وربما لهذا السبب عندما ظهرت العناوين الرئيسة حول وجود فيروس في الصين “يشهد ارتفاعاً حاداً” هذا الأسبوع، وكان كثيرون أكثر وعياً وأعطوا التطورات الاهتمام اللازم.
وبينما تتابع البلدان والسلطات بعناية واهتمام التطورات المتعلقة بالفيروس والوضع الصحي [لضمان اتخاذ التدابير اللازمة في الوقت المناسب] بدأت تكهنات وإشاعات ومعلومات مضللة تنتشر بصورة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتدعو الهيئات الرسمية الصين الآن إلى توخي مزيد من الشفافية ولا سيما أنها في مرحلة ما قللت من خطورة جائحة “كوفيد-19″، قائلة إن على بكين أن تكون أكثر وضوحاً في شأن البيانات لديها، ولكن إلى أية درجة يجب أن نكون قلقين حقاً؟
أولاً وقبل كل شيء، وبخلاف “كوفيد-19″، الفيروس المنتشر في الصين ليس جديداً، بل هو “الفيروس التنفسي البشري المخلوي” المسبب لالتهاب الجهاز التنفسي (اختصاراً “إتش أم بي في” HMPV). وهو فيروس قديم رصد هولندا حالات منه في عام 2001، وفي الواقع يصاب به معظم الناس قبل أن يبلغوا الخامسة من العمر، ويقدر الباحثون أن نحو 10 إلى 12 في المئة من أمراض الجهاز التنفسي لدى الأطفال سببها “إتش أم بي في”، إضافة إلى أنه ليس معدياً على عكس “كورونا” (وتراوح فترة حضانته بين ثلاثة وستة أيام)، حتى إنه ليس شديد الخطورة، على رغم الصور [المثيرة للقلق] التي تصلنا من الصين [مثل المستشفيات المكتظة وحالات المرضى الحرجة].
وكذلك معدلات وفيات “إتش أم بي في” أقل بأشواط مقارنة مع وفيات “كورونا”، أما الأعراض فأبرزها السعال والحمى واحتقان الأنف والتعب، وعلى رغم أن معظم الحالات تكون خفيفة فإن الفيروس يسبب أحياناً التهابات في الجهاز التنفسي السفلي مثل الالتهاب الرئوي، والأكثر شيوعاً أنه يؤدي إلى تفاقم حالات صحية محددة مثل الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن (“سي أو بي دي” COPD)، وفي الوقت الحالي لا يتوافر لقاح أو علاج مضاد للفيروسات ضد “أتش أم بي في”.
عن اندبندنت