حين تشتعل الحرب يسقط الوهم فلا يبقى إلا من يملك الحديد والنار، العدو الذي يبدأ بالتحدث عن الشرعية فاعلم أنه قد فقد بالفعل القدرة على القتال
ما حدث بنيروبي يجدد عهد هزيمة المليشيا ولا مخاوف من ذلك فالأرض هي لمن يبقى حتى النهاية، ومن يخسرها يقرأ بيانات لا تُسمع، وحين تسقط الرايات في الميدان لا ترفعها الخطابات، الحرب لا تعترف بالأماني بل بمن يفرض شروطه بحد السيف.
نيروبي لا تعدو كونها مجرد محطة هزيمة تاريخية، وهي هروب فعلي للأمام عند اللحظة التي تم الإدراك فيها أن “المليشيا مقبلة” على الهزيمة، لذلك لجأت المليشيا لإعلان “كيان سياسي”.
مليشيا الدعم السريع لم يكن أمامها سوى القيام بتلك الخطوات السياسية بهدف إضفاء الشرعية السياسية، ومنحها فيما تبقى لها من مناطق صفة رسمية أمام المجتمع الدولي بمحاولات تأمين اعترافمن دول ومنظمات.
مليشيا الدعم السريع تريد أن تفاوض من منطلق القوة حتى في ظل انحسار رقعتها الجغرافية عن طريق “الحكومة المزعومة”، والتي يمكن أن تمنحها نفوذًا سياسيًا بديلًا للنفوذ العسكري الذي فقدته في الميدان.
بإعلان التوقيع على الحكومة، فمليشيا الدعم السريع تعطي أنصارها شعورًا بأنها لا تزال تمتلك المبادرة حتى مع الخسائر الميدانيةمع محاولة جديدة لإطالة أمد الصراع بخلق فوضى سياسية وتدويل الأزمة، مع عرقلة الحسم العسكري بتعقيد المشهد السياسي.
جميع الأعراف العسكرية التي نعلمها تدل على أن ذلك التحرك هو مجرد افتقار وافتقاد للخيارات العسكرية الفعالة، وهي نقطة العجز عن الاحتفاظ بالمناطق التي كانت تسيطر عليها، والعجز عن تحقيق مكاسب جديدة، ما يعني بصورة واضحة أن الخيارات العسكرية تلاشت وتضاءلت إلى حد كبير.
في بداية الحرب “الخادعة”، استطاعت المليشيا الاستفادة من عنصر المفاجأة وضعف الاستعداد الدفاعي للقوات النظامية، والبيئة السياسية المضطربة للتوسع، ولكن عندما أعاد الجيش النظامي ترتيب صفوفه وشن العمليات العسكرية المضادة، تقلصت رقعة التوسع تدريجيًا، وخسرت المليشيا المواقع الإستراتيجية التي جعلتها في وضع دفاعي غير مستقر، أدى لخسارتها المبادأة، مما جعل من الصعوبة البالغة إعادة تجميع القوات والعودة لزمام المبادرة بعد الوصول للذروة القتالية دون تحقيق مكاسب “حاسمة”، مع الاستنزاف الكبير للموارد والقوة البشرية، وعدم القدرة على تعويض الخسائر، وخسارة “دعم السكان المحليين”، مع تفكك القيادة وفقدان الانضباط الداخلي الناتج عن نضوب فعلي للقيادة، أدى لتحول كبير من “تمرد” إلى مجرد “فلول هاربة” بفقدان القدرة على تثبيت المواقع وعدم القدرة على خوض المعارك الهجومية والدفاعية.
مليشيا الدعم السريع، بإعلانها التوقيع السياسي لتشكيل الحكومة، تحاول “تحصين” قادتها من الملاحقات القانونية، وذلك بتحويل “التمرد” إلى حكومة يمكنها أن تحمي قادتها من الملاحقات القانونية.
التحركات السياسية، حتى وإن بدت مزعجة للمواطن السوداني الغيور على وحدة ترابه، فهي ليست سوى إدراك قيادة التمرد أنها لم تعد تملك الخيارات العسكرية الفعالة، وتحاول تعويض خسارتها العسكرية بـ”التحركات السياسية”، في محاولة يائسة لتغيير طبيعة الصراع من “معركة عسكرية” إلى مجرد “مواجهة سياسية”، ولكن ليعلم الشعب السوداني أن “الميدان” هو الحكم، وأن الخطوات السياسية لن تغير حتمية الهزيمة، وعندما تخسر السيوف لن تنفعك “الأختام”، فالقوة التي ترتفع بلا أساس تسقط بدون مقاومة